Powered By Blogger

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

أخلاقيات المعلومات في عصر الثورة المعلوماتية

الأخلاق عِلْم وعمل:
إن الإسلام أولاً وآخرًا دينُ عملٍ وسلوك، وإن الذي يعلم الخير ويأمر به ولا يلتزمه من أولئك الذين وصفهم الله، فقال: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : 44] ، وحذَّر المسلمين من هذا السلوك، فقال: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف : 3].

لهذا؛ ينبغي أن نترجم عِلْمَنا بالله إلى عملٍ وسلوك، وكم من خُلق حميد وسلوك حَسَن كان له من حُسن التأثير على الناس ما ليس لآلاف الكُتب والخُطَب العظيمة!

قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة : 30]، وقال: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود : 61]، والإنسان له رسالة كلَّفه الله بها: هي العبادة بالمعنى الإسلامي الشامل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات : 56]، وله فطرة فطره الله عليها: وهي الإسلام؛ ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [الروم : 30].

الحاجة الخُلقية في عصر المعلوماتيَّة:
وإذا كنا بحاجة إلى الأخلاق، فما أكثر حاجتَنا إليها في هذا العصر، عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات! وذلك لما حلَّ بمجتمعنا من تغيُّرات بسبب التطور الذي حدث في عصرنا الحاضر في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذي له آثارٌ جمَّة على أخلاقيَّات مجتمعنا المسلم؛ سواء بالإيجاب أو بالسلب، فلا يستطيع أحدٌ أن يغفل الإمكانيَّات الرائعة التي تقدِّمها لنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصة بعد اندماج الكومبيوتر والاتصالات في الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات، وأيضًا لا نستطيع أن نتجاهل الآثار السلبية التي ترتَّبت على هذا الانفتاح المعلوماتي والإمكانيَّات التكنولوجيَّة، خاصة أن مَن يمتلكون ويحتكرون هذه الإمكانيَّات يختلفون معنا عقائديًّا وفكريًّا، فما يعدُّ عندهم مباحًا وعاديًّا نجد له ضوابط أخرى في ديننا الحنيف، وكذلك ثقافة المتلقِّي وعدم توفُّر الوعي الكافي للقيام بالانتقائيَّة المعلوماتيَّة لأَخْذ ما ينفع وتَرْك ما يَضرُّ.

ومن هنا فقد سبَّب ذلك كله آثارًا في المجتمع الإسلامي بكلِّ مستوياته؛ سواء على مستوى الفرد أو الأسرة.

إن المتغيِّرات الحاصلة في الوقت الراهن على الصعيد العالمي بسبب تفاقم الثورة التكنولوجيَّة والمعلوماتيَّة والاتصاليَّة، وما قد نتج عنها من آثار ومؤثرات عديدة على بنية وعُمْق سلوك الإنسان في أيِّ مكانٍ كان في ظلِّ الانكماش المكاني، إن هذه المتغيِّرات تدعونا إلى النظر والتمعُّن في مسألة هامة وحيويَّة: هي مسألة الثقافة المتدفقة عَبْر وسائل الاتصال الحديثة، الثقافة باعتبارها النتاج البشري المتنامي والديناميكي والمتغيِّر باستمرار.

ونظرًا لأن هذه الثقافة الوافدة أثَّرت؛ سواء بالسلب أو بالإيجاب على أخلاقيَّات مجتمعنا المسلم، كان لزامًا علينا رصد هذه الظاهرة وتزكية أخلاقنا؛ كي نواكبها ونستفيد منها ولا نتأثَّر بها سلبًا.

ولذلك؛ فلا بدَّ من توضيح الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يلتزمها المسلم حِيال الإنترنت وغيرها؛ فالعالم الإلكتروني ليس مُجردًا من الأخلاق والآداب التي ينبغي الالتزام بها في الحياة التقليديَّة؛ إذ إن هذا العالم الإلكتروني تكتنفه أخلاقُ العالم التقليدي، إضافة إلى بعض الآداب التي فرضتها طبيعة هذا العالم الإلكتروني الجديد.

نحن المسلمين - بحكم عقيدتنا وأصالتنا العربيَّة - لا بد أن نحرص على الخُلق الحَسن والأدب الرفيع، وأن نكون من المؤمنين بالسلوكيَّات الإنسانيَّة المهذَّبة؛ ولهذا ليس من الصعب أن نطبِّق ما نتبنَّاه من أخلاق في واقع الحياة اليوميَّة على سلوكنا في عالم الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات.

ينبغي أن نتذكَّر دائمًا أن الإنترنت هو وسيلة للاتصال؛ إذ يُمكنك عن طريقها إرسال الرسائل ومحاورة الآخرين، وعرض أفكارك وآرائك والاطلاع على أفكار الآخرين وآرائهم، فهي وسيلة للتفاعل والتعامل بين الأشخاص والمؤسسات والهيْئَات المختلفة، وعند استخدام أيِّ وسيلة اتصال ينبغي الالتزام بمجموعة من الأخلاق والآداب العامة، ومن هذا المنطلق جاء مفهوم آداب الإنترنت.

لا بد أن نحاول فَهْم أبعاد وتأثيرات هذه الأداة التي أصبحت متاحة جدًّا أمامنا، وأصبح الكثيرون يستخدمونها، وأصبحت هي الملاذ الوحيد للبعض، فصار لزامًا أن نتعلَّم "أخلاقيَّات وفِقه الإنترنت" بالمعنى الواسع للمعرفة، وليس من الناحية الشرعيَّة فحسب، ويبدو أن "الشات" - غُرَف الدردشة الإلكترونيَّة - ستظلُّ عنصرًا مغريًا وجذَّابًا، وأنها تلتهم وقتًا هائلاً دون عائد يوازي هذا الوقت الذي ينفقه الإنسان فيها، ما لم يكن محدد الهدف ومؤقَّت المدى.

إن غياب المعرفة أو الثقافة الواسعة يجعل من الدردشة التي تجري في معظم الغُرف الإلكترونيَّة العربيَّة عبارة عن لغوٍ فارغ، أو معاكسات، أو شتائم متبادلة، ولا يكون تبادل الحديث نافعًا إلا إذا كانت لدى أطرافه من المعرفة أقدارٌ كافية، بحيث يكون النقاش مفيدًا، وأعتقد أن بيننا وبين هذا شوطًا كبيرًا؛ لأن أغلبنا لم يتزوَّد بالثقافة أو المعرفة؛ فليست تلك الأمور متاحة في مناهج التعليم النظامي، وليست هي المادة المتوافرة في أغلب برامج الإعلام، ولم تَعد القراءة - للأسف الشديد في هذا العصر بالذات - مصدرًا معتبرًا لدى كثير من شبابنا في الحصول على المعلومات وتداول الأفكار.

ومن المقلق حقًّا: وجود بعض المواقع التي تحتوي على أفكار مسمومة تشكك في العقيدة، أو تغالط في التاريخ، وأشفق على مَن تُتاح أمامه هذه المواد دون أن تكون لديه أدنى خلفيَّة عن تلك القضايا، فكيف إذًا نتفاعل مع هذه المتغيِّرات؟ وكيف نتعامل مع هذه التحدِّيات؟!
  
أرى أننا للأسف لم نتطرَّق إلى هذه المسائل، وما زلنا غالبًا نتعامل مع الإنترنت بوصفه شبكةً للاتصال والتسلية أكثر مما هو وسيطًا للمعلومات والحوار بكل ما يحمله هذا من صعوبات، وما يطرحه هذا الوضع من أسئلة لا يتصدَّى أحدٌ لطرحها، ناهيك عن أن يجيب عليها؛ فكل هذا يحتم علينا الآتي:
1- لفت الانتباه إلى الاهتمام بالثورة المعلوماتيَّة التي حدثت، وما جرى من تغيُّر في أخلاقيَّات المجتمع المسلم.
2- محاولة التأقْلُم مع هذه المعلومات الوافدة، وماذا يجب علينا تِجاهها من الناحية الأخلاقيَّة؟
3- إبراز الآثار المترتبة على هذا الانفتاح المعلوماتي.
4- توضيح ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المسلم حِيال وسائل الاتصال.
من مقالة للأستاذ جمال عبد الناصر...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق